الجمعة، 13 مارس 2009



( حين تتسع الرؤية تضيق العبارة) النفّري

حين أسهبوا في الحديث، أدركت صِّغر أحداقهم !



يستنكر كثيرون قول شاعر لكلمات في ثلاثة أسطر أسماها شعراً. ويستنكر آخرون قصة كتبت من سطر واحد. لا أريد التعميم ، ولكن حديثي هنا سيتطرق لأغلبية تحب الإسهاب في كل شيء. تحب المعلقات ، وان كانت بلا روح . تحب القصائد موحدة اللحن، وان خلت من فكر وعبّر. أتحدث عن قوم ، يحبون مزاوجة الأحرف وإنجاب الكلمات . يكيلون الأحرف بمكيال الدقيق والبن والهال. إن قيموا نصا ، قاموا بعد الأسطر والكلمات والحروف .
وماذا عن " المضمون " ؟
لا يعني الكثير لهم . قصيدة من مائة بيت في مديح الغرب ! ، خير من بيت واحد يتحدث عن فصاحة القرآن .المهم الطول والعرض ، والإسهاب والحشو . أظننا سننفجر تخمة ً ، من هذا البلع !!.

ماذا عني ؟
حيث إنني عشت معظم سنيني الماضية وحيدة ، كان أنسي الوحيد فيها الكتب والجرائد والأقلام. ولهذا فإنني أدمن وانجذب حتى اليوم إلى ثلاثة: لا أدخل مكتبة إلا وأشتري قلما لا أحتاج له ، او كتابا لم أسمع به ، او صحيفة لم اقرأها يوما . كم أنا مدينة لوحدتي الماضية.
كان لدي متسع من الوقت ، وهدوء لاتشوبه أي ضوضاء . كنت عندما أمسك بشيء ، رغما عني أنجرف نحو خيالاتي . وأراه يكبر شيئا فشيئا . الوردة مثلا : تفقد نصف جمالها إن نزع شوكها. تبدو كدعوة للحب دون رغبة . وقد أتماهى في الضياع فيها . فأرى شرايينها الدقيقة تمرر الماء الى اعلى . واتخيل ان رأس الوردة يستجدي الماء، وانها عطشى للغاية . وحين يصلها من االماء القليل تتأوه وتبعث انفاسها عبيرا ،أكاد اشمه عبر صورتها الماثلة أمامي في جريدة مهملة على الارض.

والآن وقد ضاقت مساحات وحدتي ، وأراني أقوم بمعظم نشاطاتي برفقة أحدهم . الآن وقد زاد عدد الأصدقاء ، الآن وقد تمددت العائلة. لا أجد مجالا ، للتأمل وللإبحار إلى ما خلف الصورة والصوت . أصدقائي ساخطون ، وأفراد عائلتي كذلك ، فأنا لا أكاد أصمت للتأمل في كلمة باحوا بها ، او تعبير تلقائي نتطقت به أجسادهم ، إلا وهاجموني " أين تسرحين ، ماسر هذا الصمت ؟!"
اليوم ، لا أخشى شيئا كما أخشى من أتضيق رؤيتي ، وان اصبح كالكثيرين من حولي . وأثرثر كثيرا. وبداخلي القليل .

إلهي يا إلهي الرحيم ..
أجعل بينهم وبيني غشاوة . أو دعهم يتأملون في الأشياء مثلي . أريد أن أتفّكر بخلقك ومخلوقاتك . وان أرتقي وأصعد . وان اقترب إلى ملكوتك بحكمة.
أحمني ، من شرور قطعان تود ان تضمني إليها . اريد أن أصل بنفسي ! بوصلتي معي وعقلي معي وسأتخير الصواب من الخطأ ؟ لا أريد رفقة تفكر نيابة عني ..
أرجووك ياربي الحكيم وأتوسل إليك ...

ولهذا الحديث بقية ..

صومعتي الجديدة ( سيعثرون عليها قريبا ) وسأغيرها بإستمرار .
العامرة الحكيمة – مسقط
ما بعد منتصف الليل
*تفاصيل الصورة أعلاه :
إلتقاط: مسقطية الهوى 20-2-2006
خلفية لكل شاشات هواتفي منذ تاريخ إلتقاطها.