أشتقت صفة " الزطوطية " من الزط ، او الغجر ، او كما يطلق عليهم في الأردن " النّور " ، وبالتأكيد هناك أسماء أخرى لهم لا أعرفها . وكعادة المجتمعات فأنها تعمم بعض الصفات على البشر والمجتمعات والاديان ، وما اكثــــرالأفكار المغلـــوطــة التـــي نشأت بسبب ما يعــرف لدى الغــرب بــــ( stereotype) . وما ساعد على انتشار التعاميم المغلوطة وجود الإعلام الموجه والمتحيز فنراهم بثوا تعاميم لا تعد ولا تحصى على سبيل المثال :
- المسلم ارهابي .
- الاسود مجرم .
- العرب بدو وعربان .
- البنت الشقرا غبية وسطحية .
........الخ
نعود للأخوه الزط عمم المجتمع فكرة ان" الزطي طلاّب " ما يقدر يعيش بدون ما يطلب ، وعمت هذه الفكرة لدرجة اشتقاق صفة اطلق عليها " الزطوطية " نسبة إلى الزط . وصفة الزطوطية : تطلق على الشخص الطلاّب الذي يشحت بحكم العادة وان كان ليس ذي حاجة . ولم يدخر المجتمع العماني جهدا في غرس هذه الصفة في اذهاننا ، فقد قام بتعزيز الفكرة عبر حياكة الاقاصيص والروايات التي تــؤكــد " ان الزطي زطي بطبعه " ما اعرف كيف اوضحها اكثر من كذا ، وقاموا بتلقيننا معادلة رياضية ذكية للغاية فقالوا : زطي = طلاّب
فمجرد ان نسمع اليوم كلمة " طلبني فلان " ، نقول لا اراديا : هذا فيه عرق زط ؟!
اما عن القصص المروية عن عرق الزطوط فهي كثيرة ، ويكفيني ان اسرد بإختصار قصة " زوجة الشيخ زطية " لتتضح امامكم الصورة .
" قيل حدث في زمن الغبيراء القديم ، ان وقع شيخ ذي مال وجاه في غرام زطية ، فحاول اهله وعشيرته منعه لما يعرف عن عرق الزطوط من اطباع لا يجدي مال ولا جاه في نزعها منهم . ولكن الشيخ وقع في الغرام ومن يعرف الحب لا يسمع ولا يرى ولكنه يتكلم ،وحين تكلم قال : سأتزوجها ولا ارغب سواها ، وسأثبت لكم انني سأقضي على طباع الزطوط فيها ، سأحيطها بالخدم والحشم ، وسألبي كل ما تشتهيه ولن تحتاج لأحد.
وكانت الللية الموعودة ، زفت العروس لعريسها ، وعاشا تحت سقف واحد . وفي احدى ايام شهر العسل الجميل ، خرج الشيخ لقضاء مصلحة له ، فجاعت الزوجه ، فذهبت الى المطبخ وقالت للخدم والحشم :
- الله يخليكم عطوني لقمة ، تراني جوعانة وماعندي أكل ولا عندي فلوس اشتري فيهم .
صعق الخدم والحشم ، ووقفوا كالدجاج حين يرش بالماء مندهوشين منشدهين مدشهللين ( كناية عن شدة الاستغراب والتعجب ) . فما كان منهم إلا ان اخبروا الشيخ فور وصوله بما حدث . فثار غضبه ولكنه مازال على يقينه واصراره بأنه سينزع طبع الزطوطية منها . فأتته الفكرة الجهنمية التي ما تخرش الميه ، واصدر اوامره بملئ غرفة زوجته بشتى اصناف الطعام ، والاطياب والعطور ، والمجوهرات والذهب . فأتى الخدم محملين بكل ما طلب . وأصبحت غرفة زوجة الشيخ كالقصر مكتمل المرافق ولكن دون خدم لكي لا تجد الزوجة آدميا تطلب منه حتى تتخلص من هذه العادة . أغلق الباب على زوجة الشيخ ، وبدأت تتجول في الغــــرفة مبهورة ممـــا رأت . فما كان منها إلا ان جثـــت امـــام " الروزنة " وقالت : بيبيه بيبيه الله يخليش عطيني هالكحل .
- تنتهي القصة هنا ، ولا نعلم ماذا حل بالشيخ ، ولكني تقصيت عن خبره فقالوا انه " جن " واصبح يهيم في الدروب يطلب الناس كما الزطوط ، ويلعب في الحواير مع نفسه ويتخيل سيدة امامه ويقول : "بيبيه بيبيه عطيني هالكحل عطيني هالشال،، عطيني هالذهب " .
هذا ليس موضوعنا فأنا لا اصدق ان كل الزطوط زطوط ، فما اراه في المجتمع من حولي نفى هذه الحقيقة ونسفها عن بكرة .موضوعنا " الصفة " وحدها ، بإعتبار ان الزطوطية او فعل " الطلب و الاستجداء " نراها في مجتمعنا وهي ليست حكر على عرق معين .
ففي " الديوان " و " طلبات الديوان " تتجلى " الزطوطية " الحقة . فيصير كل الناس سواسيه بدا من الشيخ ووصولا الى الفقير المعدم . وهذا بدوره يرسخ " الزطوطية " وربما كان له دور كبير في بث الزطوطية لنفوس كانت تتعف في السابق وأصبحت اليوم ترى من طلب المعونة امرا عاديا .
فنرى المحتاج يقول : لا استطيع دفع تكاليف العلاج بالخارج ، وانا احق بمساعدة الديوان من إلي عنده غوازي وبعده يطلب " سيارة " ولا " راشن " لبيته !!!
معقول جدا وربما سنتعاطف مع هذا الرجل ، ولكن واقعنا يقول ان صاحب " السيارة والراشن " هو احق في نظر الديوان .
بل انه كلما زادت " غوازيك " زادت احقيتك في الامتيازات .
وهذه هي " الخصوصية العمانية " التي تحدثنا عنها في وقت سابق .
- لا اعلم اساس التمييز ، ولكني اعلم ان دول المؤسسات والقانون لا تقوم بوجود جهة تختص بالعطايا والهبات ، فكل الناس مواطنين ، حقوقهم معروفة ومحددة بموجب القانون ، ولا شيء اخر . فالقانون يحدد ،والمؤسسات تمنح، والمواطن يعمل . ولا تعترف دولة المؤسسات والقانون بمبدأ " الزطوطية والطلب " فالجميع سواسيه ومن له حاجه استثنائية عليه بسلك الطرق المشروعة وطرق ابواب القانون المشرعة .
ومن يعمل ليس كالذي لا يعمل . وهذا أساس التمايز والمفاضلة بين البشر في دول المؤسسات والقانون !!!
وعاد انتو اختاروا ، تريدوا ولا ما تريدوا ؟!
اكيد في ناس حتى ايجارات بيوتها مدفوعه ،وارصدتها في البنوك محفوظة، وسيارتها من الديوان مصروفة .
وفي ناس محتاجه تنتظر سنين عشان ألفين وثلاثة .
وفي النهاية عزيز النفس لا يستجدي حقوقه التي من المفترض ان تكفلها الدولة .
وأية طلبات أخـــرى تنـــدرج تحت بنـــد " الزطوطية " . وإلي ما عاجبه كلامي ، ما قابضـة حــد عــن " يتزطط " يروح قدامه الرحمن .